روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | رؤيا الحذاء الأزرق..

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > رؤيا الحذاء الأزرق..


  رؤيا الحذاء الأزرق..
     عدد مرات المشاهدة: 6769        عدد مرات الإرسال: 0

كان قراري بالإنفصال عن زوجي حاسما هذه المرة، وكنت قد وصلت إلى قناعة تامة بأن بقائي معه لن يسبب لي إلا تعباً.. وإرهاقا.. ومواجهات لن تنتهي، وأكثر ما كنت أخشاه هو غضب الله لأنني لن أكون تلك الزوجة التي تحتمل زوجها وتصبر.

كانت عصبيته وجفوته هي السبب الوحيد الذي قررت لأجله الطلاق، وكنت قد وصلت إلى المرحلة النهائية من الصبر ولم تعد قواي تساعدني على الوقوف في وجهه أو الصمت وإحتمال صوته المرتفع وغضبه الدائم وإزعاجه للأولاد ولي في كثير من الأحيان عندما يتحدث معنا بنزق حتى أمام الآخرين.

كانت مسألة الكرامة في المقام الأول، وكنت أخشى من ضياع عملي وجميع حسناتي لأنني أجد نفسي مضطرة لخوض صراعات مريرة معه كلما غضب وثار في وجهي أو في وجه أحد الأولاد في بيتنا أو في الخارج، وكنت أشعر أنه بات يجد متعة في الصراخ وفي إهانة الآخرين وظننت لوهلة أن مرضا ما قد أصاب أعصابة وخشيت أن يتطور به الحال ويزداد عنفه ليتجاوز الصراخ المزعج والمؤذي لعنف بدني أشد أذى.

كان صراخه في الهاتف وشتائمه لذلك الموظف البسيط والفقير لديه هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وهو السبب الذي جعلني أشعر بكراهية لا محدودة له، فعمله هذا كان يظهر وجهه القبيح وساديته التي لن أرغب في معايشتها لسنوات إضافية غير تلك التي أمضيتها معه وكان سر صبري فيها هو عدم رغبتي في طلب أي مساعدة من أحد لتربية أولادي، وكنت متأكدة بأنه لن يفعل وبأنني لن أطلب منه وسأشقى لو طلبت من غيره.

عندما تزوجته لم أفكر إلا في أمر واحد وهو أنه متدين ويخاف الله وأن أصله طيب معروف، ولم أسأل عن تلك الأمور المادية التي يسأل عنها الجميع في العادة، ولم أفكر في قلبي الذي لم يخفق له من قبل فقد كنت أفكر في أمور الدين ناسية إنسانيتي وأنني بشر يحب ويحب أن يُحَب، وأن تلك الحياة التي يعيشها المرء لا تبنى دون حب، وكان إعتقادي بأن الحب سيأتي به الزمان.

خدعتني عباداته الكثيرة، وفهمت أخيرا لم طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين الرضا عن أخلاق الخاطب بجانب تدينه، وفهمت أخيرا أنهما أمران منفصلان، ولا يعني أن من يلازم المساجد أو يتقي الله في أمور المال يمتلك بالضرورة حسن خلق، وبالتالي فقد فهمت سر تلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تعلم وتحض على حسن الخلق، ولمَ لمْ تكتفي الشريعة الإسلامية بالعبادات فقط.

لم يكن زوجي بخيلا يوما فقد رأيت من كرمه ما يمنعني من مجرد التفكير في توجيه تهمة كهذه إليه، وكان كرمه يظهر حتى في أشد الأزمات التي مررنا بها، ورغم إختلاف فهمنا للإنفاق وإهتماماتنا المتباعدة في الشراء وإنتقاده الدائم لإسرافي، ولكن هذا لم يكن يوما السبب لرغبتي في الإبتعاد عن عالمه الذي أتعبني.

ولم يكن أيضا من النوع الذي يهتم للنساء من دوني، وقد منعته التقوى من حرية النظر إلى مفاتن النساء المعروضة برخص شديد على قارعة الطرقات وفي كل مكان يتواجدن فيه، وكنت أدرك بحدسي أنني الوحيدة التي تحظى به وبقلبه.. والوحيدة التي تمتلك القدرة على تحريك مشاعره.

كان يستميت أيضا في إرضاء والدته ويفضلها علي بكثير من الأمور ومنها توصيلها إلى الأماكن التي تطلبها مهما كان إنشغاله في حين يعتذر عن توصيلي أحيانا، وكان يسأل عنها مرات عديدة عندما تصاب بنوبة من نوبات الشقيقة مثلا في حين يكتفي بإبتسامة بلهاء وبعض كلمات المواساة عندما يهدني المرض، كنت أعتبر إهتمامه بها أمرا حسنا لوقت طويل فما الذي أستفيده من بره لوالدته وعقوقه لي ولأولاده.

عندما فكرت في حياتنا معا وجدت أن عصبيته تفقدني مودته، وأنني أفتقد أيضاً تلك الرحمة التي تزين بيوت الأزواج ووجدتني مضطرة لكبح جماح ثوراته الكثيرة التي يشنها في بيتنا كلما حضر، ورأيت أن إستمراري في الحياة بجانبه لن يجعلني أجني سوى مرض يقعدني، ونار بعد الموت تنتظرني، وأمراض نفسية تصيب الأولاد وتصيبني، وربما أجد أحدهم نسخة عنه في يوم من الأيام، وبخاصة أنني بت أرى أثر ثوراته وإنفعالاته في تصرفاتنا جميعا وفي الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا.

ركعات إستخارة كثيرة صليتها أسأل الله فيها أن ييسر لنا الطلاق إن كان فيه خير، وأن يصرفه عنا إن كان فيه شر لنا، ولكنني كنت بيني وبين نفسي أتمنى أن يكون في الطلاق الخير.. وأن يهيئ الله تعالى لي أسبابه ويعينني ماديا على توفير حياة كريمة لي وللأولاد، وكنت أسمع موافقات الأولاد على الإنفصال ماداموا سيبقون معي وسيحافظون كما أخبرتهم على علاقة جيدة مع والدهم، وكنا جميعا نخطط لحياة هادئة بعيدا عنه وكان مطلبنا جميعا هو تلك الحياة مع حفظ الكرامة، وأخبروني جميعا بأنهم سيساعدونني وأنهم سيحتملون أي ضغط مادي قد نواجهه.

كعادته إستهزئ بالفكرة في البداية وكان يظن أنها إحدى التهديدات التي إعتاد على سماعها مني كلما وقعت بيننا مشكلة أو ثار ثورة من ثوراته التي لا تنتهي.

لم أنس التفكير في كلام الناس ومنعني ذلك من الإنفصال الذي أرغب به وأتمناه لوقت طويل أيضا، ولكنني في النهاية قررت تجاهلهم وطمأنت نفسي بأن كلامهم لن يضرني ما دمت سأحصل على راحتي وسيعود لي هدوء نفسي وبالي وبأن الكثير من الثرثارات سيحسدنني عندما ستعود لي ملامحي الهادئة الجميلة بعد أن يغيب عني ذلك التوتر المتواصل، وأن الكثير من الزوجات سيتمنين لأنفسهن شجاعة تشبه شجاعتي وقدرة على إتخاذ القرار مثلي.

أقنعت نفسي أيضا أنني أترك رجلا أربعينيا قوي البنية صحيح الجسد وأنه سيجد بسهولة تلك التي تقبل بالعيش معه، وأنه سيحرص على الزواج من مستكينة فاقدة الإحساس بالكرامة التي تسكنني وتمنعني من قبول ثوراته في وجوهنا بإبتسامة غبية وتمنعه أيضا من فرض سلطته بالقوة.

أخبرني يوما أنه كان يرفض الزواج من موظفة وضحكت يومها لأنه تزوج من موظفة ومسرفة في تقدير ذاتها، ولا تهتم بجعل الأعاصير تسكن منزل الزوجية عندما يحاول النيل من كرامتها رجل ما ولو كان هو، وتحدث طويلا ولسنوات عن رغبته في زواج ثان وصمتَ أخيراً عندما فهم أن كلامه لن يؤثر في علاقتنا إلا بالقطيعة والجفاء، وأنه لن يثير غيرتي بهذا الحديث مطلقا بل سيجعلني أنفر منه نفورا عجيبا.

في تلك الرؤيا التي رأيتها يوما وشغلتني كثيراً رأيت فيها نفسي أسير في الشارع قرب بيتنا ثم نظرت نحو قدمي لأجد نفسي أرتدي حذاءً بلون أزرق سماوي جميل وأحمل بيدي حقيبة زرقاء بلونه تماما وكنت أقول لنفسي: ما أجمل هذا الحذاء إنه جميل حقا، لمَ لمْ أكن أفكر إلا بتلك الأحذية الغامقة، وفكرت في شراء حذاء أزرق آخر لأن الحقيبة تدوم وقتا أطول من الحذاء الذي يبلى بسرعة.

كان تفسير الرؤيا عذبا وفهمت منه أن الطلاق سيتم وأن الله سيخلف عليَّ، وستكون ظروفا مادية جيدة، وأنني سأحصل على أمور حرمت منها طويلا.

عشت طويلا في نشوة تلك الرؤيا وحلمت بالسعادة التي وعدتني بها طويلا، وخمنت أن ما حُرمت منه هو الهدوء والسكينة وحلمت بأنني سأعيش أخيرا بجانب رجل يحبني وسأسعد بحنانه ووده الذي أفتقده في حياتي مع رجل عصبي لا يروي مشاعر أي زوجة ولا يسعد قلبها بحبه وأنه سيبكي ندما لوقت طويل.

أمر واحد كان يحيرني فكيف سأسعد مع رجل أخر وأنا التي أمضيت من عمري عشرين عاما معه وإعتدت على الحياة بجانبه وإعتمدت عليه في كل كبيرة وصغيرة من شؤوني، ومن ذا الذي سيقدر امرأة في الأربعين بدأت تفقد شبابها وجمالها ومن الذي سيهتم لو كنت جميلة في مراحل سابقة لم يرني فيها، ومن قال أنني لم أحبه وأشعر نحوه برحمة تشبه تلك التي تشعرها الأم تجاه أطفالها، ومن قال أنني لن أبكي شوقا إليه لو إفترقنا.

تناسيت تلك الأفكار ورحت أعيش حلما جميلا منحتني إياه رؤيا، وتخيلت قصة زميلة من زميلات العمل تزوجت بعد وفاة زوجها فإشترى الزوج الجديد شقتين متقابلتين يعيش هو معها في شقة وتعيش والدتها وطفلها الوحيد في الشقة المقابلة، وكنت أدرك الفرق بيننا فقد كانت زميلتي في ريعان شبابها عندما توفي زوجها.

لم أكن أريد أن أفكر طويلا في تلك المشكلات وفكرت في أن حياتي بعيدا عن صوته العالي والغاضب في الصباح وعند الظهيرة وفي المساء تكفيني، وحينها سأنظم برنامجي اليومي ليكون صحيا وممتلئا فأمارس رياضة المشي صباحا وأمارس هواياتي التي أعشقها في نهار أملكه، وأجدد علاقاتي التي أنستني إياها أحزاني وأوجاع قلبي الكثيرة بقربه وشحنات الغيظ والغضب ومواجهات لا تنتهي.

استغرقت في حسابات كثيرة لمواردي المادية أقرر فيها مستوى المعيشة الذي ستمنحني إياه تلك الموارد بعد أن أخرج من منزل الزوجية برفقة أولادي، وإخترت أخيرا أن أقوم بإستئجار منزل صغير وأن أشتري له أثاث جديد يفرحني وينسيني مرحلة من العمر عشتها على فوهة بركان غاضب.

حددت لزوجي وقت خروجي من المنزل بعد شهور بسبب ظروف تمنعنا من تنفيذ القرار في الوقت الراهن، وأخبرته بالرؤيا وبتفسيرها، وأخبرته بقراري وأطلعته على حساباتي التي لن تجعلني أطرق بابه بعد الطلاق، وبدأت أسجل قصة فراقنا بفراق جزئي في المنزل هجرت فيه غرفتنا معا ورحت أقلل من كلامي معه وأنظم أوقاتي بشكل منفرد أجعله دوما خارجها، وكنت أبحث عن الدعم النفسي لي وللأولاد من خلال مشاريع مستقبلية نتحدث عنها أمامه أو في فترات غيابه ونتخيل منزلنا الجديد ونسجل إحتياجاتنا فيه وكان يقابل كلماتنا بصمت مطبق.

كان صبري على خسارته الكبيرة في تجارته منذ سنوات ماضية سبب أيضا في قرار الطلاق الذي إتخذته وكان السبب هو شعوري بنكرانه لكل ما قمت به من وقوف بجانبه ودعمه بمالي وتشجيعي له على الاستمرار وكلماتي وقصصي التي كنت أرويها له عن تجار إستعادوا مكانتهم في السوق بعد كوارث تعرضوا لها وكيف أن السارقين حصلوا في النهاية على عقاب إلهي أنساهم طعم متعتهم بالمال المسروق.

كل ذلك جعلني غير آسفة على فراقنا وكنت أرضي ضميري بسداده لأغلب ديونه وبأن ما تبقى عليه قليل لا يكاد يذكر مع ما قام بتسديده طوال سنوات من الصبر والصبر.

عطل في كهرباء المنزل جعلنا نضطر لمغادرته نحو منزل أهلي، وإضطر هو للحاقه بنا بعد أيام فقد فيها الأمل بإصلاح العطل قبل وقت طويل، وعدم قدرته على التوجه نحو منزل أهله لوجود أخيه وزوجته وأولاده لديهم.

في منزل أهلي بدا مختلفا ووديعا بشكل لم نألفه بل جعلني أشك في شخصيته وأشفق عليه عندما أراه يتودد للصغار بمزاحه معهم بعد أن كان لا يعرف في تعامله معنا سوى الأمر والنهي والصراخ الغاضب.

لست أدري أية مشاعر جعلتني أتراجع عن قراري وتأجيله لخوض فترة جديدة من امتحان قدرتي وقدرته على التفاهم وإيجاد طريقة للحياة بسعادة من جديد.

بقي حلم الحذاء الأزرق والحقيبة الزرقاء يلاحقني ويسعدني وبقيت أتساءل عن معنى الحذاء الأزرق الجديد فيه الذي سيسعدني ويمنحني أمورا حرمت منها، وهل سيكون هناك طلاق أم هو زوجي الذي سيتغير وسنسعد معاً بعد أن يعرف كيف يقدم لنا حبا وحنانا ومودة نحتاجها منه بعيدا عن نزقه وعصبيته.

الكاتب: عبير النحاس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.